نشر وزير الثقافة السابق مهدي مبروك رسالة على صفحته على فايسبوك وجهّها إلى رئيس الجمهورية قيس على اثر الزيارة التي أداها الأحد إلى صفاقس والمهدية، وقد اعتبر الوزير السابق في رسالته أن ما ردده رئيس الجمهورية بأن الهجرة السرية «مؤامرة» تُحاك في الظلام من جهات سياسية..أمر غير واقعي وغير منطقي…حيث كتب يقول:الهجرة السرية مؤامرة تحاك ضد السيد الرئيس؟
هذا تقريبا ما ورد في تصريحات السيد رئيس الجمهورية على اثر زيارته يوم أمس الأحد 2 أوت 2020، لجهتي صفاقس و المهدية وهما الجهتان اللتان سجلتا أعلى الأرقام سواء فيما تعلق بعدد العمليات التي أحبطها الأمن التونسي أو عدد الشبان ا الذين تمكنوا من اجتاز الحدود و الوصول الى الشواطئ الايطالية.
السيد رئيس الجمهورية،
ظاهرة الحرقة برزت تحديدا في بداية تسعينات القرن الفارط على اثر انضمام ايطاليا إلى فضاء شنغن و فرضها التأشيرة على المواطنين التونسيين . كما شهدت بلادنا بعيد الثورة موجة غير مسبوقة من الهجرة غير النظامية حيث بلغ عدد التونسيين الذين نزلوا جزيرة لمبادوزا وحدها ما يفوق 22 ألف شخصا . و لقد زار المرحوم الباجي قائد السبسي (رئيس الحكومة آنذاك ايطاليا ) و لم يشر مطلقا إلى أنها مؤامرة تحاك ضد الثورة كما لم يذهب المختصون أو مناضلو المجتمع المدني هذا المذهب مطلقا.
السيد الرئيس
الهجرة غير النظامية لها أسباب موضوعية وهي إذ تتواصل فلأن سياقاتها ظلت ثابتة تقريبا ... تحدث هذه الموجة الثانية تحديدا لأن الضغط الهجري Pression migratoire لا زال مرتفعا في سياق يزداد فيه الطلب على الهجرة غير الشرعية خصوصا وأن الأسباب الموضوعية تلك مستمرة وهي في اعتقادي:
تنامي أعداد العاطلين عن العمل ويرجح البعض أن يكون الرقم قد بلغ 800 ألف عاطل و ينتظر أن يرتفع أكثر نتيجة الآثار الاقتصادية و الاجتماعية السيئة لجائحة كوفيد 19، هذا المناخ الملائم استثمره منظمون محترفون حولوا هذه المغامرة القاتلة الى تجارة بالبشر تدر عليهم أرباحا طائلة.
توقف نسب النمو و انحدارها إلى ما تحت الصفر و قد تدرك نسبة ست بالمائة سلبي ،
تواصل شروخ التفاوت بين الجهات.
فقدان المدرسة بريقها في ظل تعطلها كمصعد اجتماعي ينتشل الشباب من مناطق الهشاشة والتهميش، وأخيرا الإحباط الذي يفترس هؤلاء الشباب وهم يرون حكّام بلادهم قد حوّلوا الفضاء السياسي الى حلبة لصراع ديكة هائجة. (مشهد جميل يبدع في وصفه عالم الانتروبولوجيا الامريكي قييرتز في كتاب
Bali interprétation d'une culture
سيدي الرئيس،
يمكن إن نسترسل في ذكر الأسباب الموضوعية الأخرى التي تتعلق بحاجات الاقتصاد الأوروبي والايطالي تحديدا إلى يد عاملة غير مختصة وزهيدة يحتاجها سوق العمل في قطاع الفلاحة وبعض الخدمات الأخرى التي أبرزتها جائحة كوفيد على غرار الخدمات الصحية و الاجتماعية (رعاية كبار السن والخدمات المنزلية).
سيدي الرئيس،
منذ أكثر من ثلاث عقود تجتاز حدودنا سنويا أكثر من 80 جنسية يحملها شباب قادم من مختلف أنحاء العالم هاربين من الفقر و الخصاصة والحرمان، يلاحقون أملا يبدو انه قد تحول الى سراب و كوابيس جعلت المتوسط مقبرة مائية عائمة، في كل ذلك لا أحد تحدث عن مؤامرة ....
طوال هذه الفترة أصدرت الجماعة العلمية في تونس ومنظمات المجتمع المدني مئات الدراسات و التقارير التي تحلل الظاهرة و تقترح حلولا قد تخفف من حدة الظاهرة وتحاصر مخاطرها القاتلة ..
يؤسفني سيدي الرئيس أن تذهبوا في تحليل هذه الظاهرة ذلك المذهب .. وقد ذكرني ذلك بما يقوله البعض: «العلوم الاجتماعية آش نعملوا بيها»؟
ويبدو ضمنيا أنكم بهذا التصريح تزكون هذا الرأي علاوة على إشارات عديدة صدرت منكم تبخس العلوم الاجتماعية... يمكن أن تكونوا لوامع في تأويل الدستور وهذا اختصاصكم العلمي (وليس السياسي)..ولكن تواضع العلماء والرؤساء يحتم عليكم أن تطلعوا على ما يقوله المختصون في مباحث أخرى لا تمتلكونها ولكن تحتاجونها لتوجيه السياسات العمومية واتخاذ قرارات مهمة لها أثر عميق على الناس و المحيط...
السيد الرئيس،
اقتصار زيارتكم على الجهات الأمنية وحدها تقريبا يعطي انطباعا لدى الناس أنكم في معالجتكم للظاهرة تتبنون مقاربة أمنية أثبت أينما تم تبنيها فشلها الذريع فما بالك وقد تم إدراجها في نظرية المؤامرة التي تشتغل جيدا هذه الأيام حتى أصبحت ركنا قارا من أركان الخطاب السياسي ببلادنا... ثمة مبادرات أخرى أكثر عمقا و إنسانية وجدوى ...
مرة أخرى أعيد القول إن الهجرة غير النظامية لها أسبابها و دوافعها الموضوعية الخالصة وهي ليست مؤامرة تحاك ضدكم…
تاريخ الإضافة : 04/08/2020
مضاف من طرف : infos-tunisie
المصدر : www.assarih.net