رغم ما أكدته السنوات الماضية من تأثيرات سلبية للأزمات السياسية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن الطبقة السياسية في تونس مازالت لا تولي أهمية كبرى لهذه المعادلة وتضعها ضمن آخر اهتماماتها وتتمادى في مواصلة معاركها وصراعاتها غير مبالية بما آل إليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد من خطورة.وقد تحدث رئيس الحكومة الياس الفخفاخ أمس أمام البرلمان عن المؤشرات والأرقام "المُخيفة" التي بلغها الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، والتي ستؤدي إلى نسبة نمو في حدود 6 بالمائة سلبي ( -6%) وفق أغلب التوقّعات وهي نسبة لم يسبق أن بلغتها تونس حتى في أحلك الأزمات. وتعني هذه النسبة مزيد ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر والتهميش وضعف التنمية وما سيرافق ذلك من غلاء الأسعار وتدني مستوى معيشة المواطن بشكل عام وتراجع مؤشر سعادته وهو ما سيؤدي بدوره الى مشاكل اجتماعية بالجملة على غرار الجريمة والانقطاع المدرسي.. وما يزيد الطين بلة هو ارتفاع نسبة تداين الدولة داخليا وخارجيا وتواصل هشاشة الدينار ومخزون العملة الصعبة والوضعية الخطيرة للمؤسسات العمومية..
في دولة أخرى من الدول التي يعِي سياسيوها جيدا معنى نظرية " لا تطور اقتصاديا واجتماعيا دون استقرار سياسي"، وعند حصول أول ازمة اقتصادية نتيجة تقلبات سياسية، ينتفض كل منهم من مكانه مسرعا ويدخل وغريمه السياسي في هُدنة ويبادر وإياه بمعاضدة جهود الدولة في الإصلاح والإنقاذ احتراما للمصلحة الوطنية العليا وروح المسؤولية التي حملها إياهم الشعب. أما في تونس فمازال هذا "النضج السياسي" لم يجد بعدُ طريقه إلى عقول السياسيين، وحلت محلّه المراهقة السياسية التي لا انجاز يُرجى من ورائها سوى الاستعراض السياسي والخطاب الشعبوي المتدني والتهريج وعدم احترام الآخر ومحاولة "ضربه" بكل الطرق سواء تحت قبة البرلمان أو في وسائل الإعلام.
وفي كل مرة تُتاح فيها الفرصة للسياسيين لاستعراض أفكارهم ومشاريعهم المستقبلية والحلول البديلة التي يقترحونها للإصلاح ولإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي، وذلك بمناسبة جلسات الحوار البرلمانية او الجلسات العامة الأخرى أو عبر المنابر الاعلامية، يحصل العكس تماما ويتحول هؤلاء إلى "قوى جذب إلى الوراء"، لا نظر لهم نحو المستقبل ولا همّ لهم غير النبش في الماضي او في شؤون دول أخرى أو خدمة مصالحهم السياسية الحينية. والغريب في الأمر أن هذه الصورة – صورة الصراعات والمعارك - لم تعد تقتصر فقط على مقاربة السلطة – المعارضة، فذلك يمكن تفهّمه لأنه من طبيعة العمل السياسي، بل أصبحت تتأتى أيضا من داخل ائتلاف السلطة نفسه ومن مكوناته تجاه بعضهم البعض.
لقد اتضح بعد جلسة أمس أمام البرلمان أن الطبقة السياسية الفاعلة تواصل تجاهل نظرية " لا انتعاش اقتصاديا دون استقرار سياسي" وتواصل إضاعة الوقت في المعارك غير المجدية. وفي المقابل يتواصل تجاهل مشاغل الشعب والتمادي في اختلاق الأزمات السياسية والتي سيكون مفعولها السلبي أشد وطأة على الوضعين الاقتصادي والمالي في البلاد في الفترة القادمة ما لم يعمل كل طرف سياسي على وضع حد للأزمة..
فاضل الطياشي
تاريخ الإضافة : 26/06/2020
مضاف من طرف : infos-tunisie
المصدر : www.alchourouk.com