خطيرٌ ما يحصل اليوم من اختلافات وخلافات وتعطيلات حول تشكيل الحكومة، إذ لا أحد من الأطياف السياسية حكّم العقل وتنازل من عُليائه وحجّم كبريائه في سبيل بلوغ التوافق المطلوب وإنهاء أزمة طالت وأدت إلى حالة من الاحتقان العام وقد تؤدي إلى تفاقم الوضعين الاقتصادي والاجتماعي نحو الأسوإ..بداية من اليوم الجمعة، وبعد إعلان هيئة الانتخابات عن النتائج النهائية، سيبدأ العدّ التنازلي ل«أسبوع» اختيار رئيس الحكومة وتكليفه رسميا كما ضبطه الدستور. لكن رغم هذا الضغط، لم تتضح الرؤية بعدُ حول من ستختاره النهضة لهذه المهمة وهي التي لمّحت أكثر من مرة إلى استحالة بلوغ توافقات حول ذلك.
وطيلة الفترة الماضية اختارت النهضة اجراء مشاورات مع كل طرف على حده، وابتعدت بذلك عن تقليد كبير، دأبت عليه تونس طوال السنوات الماضية عند حصول الأزمات وتعطل لغة الحوار وانسداد المخارج، وهو جلوس الجميع على طاولة واحدة للتشاور والتحاور بكل صراحة ثم الخروج بتوافقات. فالتشاور مع كل طرف على انفراد زاد من تعقيد الأمور وباعد الأفكار والرؤى عن بعضها البعض وشجّع على التراشق «عن بُعد» بالتصريحات الاعلامية بين الفرقاء فزادت حدة الاحتقان واتسعت رقعة التباعد.
شخصيات عديدة كان بإمكانها طوال الأيام الماضية لعب دور «المُجمّع» لدعوة الفرقاء إلى طاولة مشاورات واحدة تحصل فوقها توافقات تُنهي أزمة تشكيل الحكومة وتدحرُ شبح الأزمة المُخيم على البلاد، على غرار رئيس النهضة راشد الغنوشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد وأمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي مدعوما ببقية المنظمات الوطنية ورئيس الحكومة يوسف الشاهد. فكلهم، باستثناء سعيّد، خبِروا طيلة الأعوام الماضية مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي فوائد التشاور ومزايا التوافق كلما خيّم الخطر على الوضع العام.
الآن وبعد مرور حوالي شهر على مشاورات عقيمة لم تُفض إلى أي توافق حول شكل الحكومة القادمة وحول طبيعة رئيسها وأعضائها وخاصة حول المطلوب منها، لم يبق أمام الفرقاء غير التعجيل بالجلوس إلى طاولة واحدة يدعو إليها أحد المذكورين أعلاه، ويقع بذلك إنهاء حالة الانسداد وحلحلة الأزمة.
إن تونس في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى انقاذ عاجل يبدأ أولا بالتوافق على شكل الحكومة ورئيسها حتى يتسنى في ما بعد الانطلاق بسرعة في تشكيلها لتشرع في العمل والإنقاذ والإصلاح. فتونس تتسع للجميع، وكل طرف سياسي بإمكانه المشاركة من موقعه في هذا الإنقاذ والاصلاح سواء كان في الحكم أو في المعارضة، ومهما كانت الحقيبة الوزارية التي قد تؤول إليه. وقد لا يهم كثيرا في كل ذلك شكل الحكومة او انتماء رئيسها وأعضائها أو توزيع الحقائب الوزارية، بل الأهم هو مضمون عملها والتوافق حول مشروع وطني تشاركي يخدم الوطن والشعب لا غير.
تاريخ الإضافة : 08/11/2019
مضاف من طرف : infos-tunisie
المصدر : www.alchourouk.com