كانت الجزيرة العربية مسكن العرب لكنها لم تكن مسكنهم الوحيد, فقد كانت لهم مساكن فيما حولها إلا أنها كانت أهم مساكنهم وكانوا كُثُر فيها. والجزيرة إقليم في الجنوب الغربي من آسيا, تحُدُّه من الشمال بادية الشام ومن الشرق الخليج الفارسي وبحر عمان ومن الجنوب المحيط الهندي ومن الغرب البحر الأحمر.
يسكن العرب بالأغلبية هذه الجزيرة- لذلك سُميت جزيرة العرب- وكانوا في البداية من طبع واحد موسومون بنفس السمات تقريبا تراهم فتعرفهم. لكن متغيرات الزمان والمكان فعلت ما فعلت، فتحضرت بقية الجماعات التي تزامنت تاريخيا مع العرب وبقوا هم بدوا يغلب على طباعهم التخلف. فتحضر سكان الفرات وسكان وادي النيل وظل العرب تغلب عليهم البداوة. فتأخروا عمن حولهم في الحضارة والتمدن وعاش معظمهم عيشة قبائل رُحّل لا يقرون في مكان ولا يتصلون بالأرض اتصالا وثيقا, إذ لم يكونوا مزارعين بالمعنى التام للفظ. لكنهم كانوا يتربصون مواسم الغيث ليخرجوا متتبّعين الكلأ. ولم يكونوا على حرص كبير على تنظيم بيئتهم البدوية أو تحسينها وتطويرها وابتكار وسائل وسبل العيش المستقر كما يفعل أهل الحضر. بل كانوا يعتمدون أساسا على ما تجود به السماء والأرض. فإن أمطرت السماء ونما زرع الأرض راح العرب ينهلون من خيْراتها و يرعون قطعان ماشيتهم. وإن بخلت عليهم, ارتقبوا وانتظروا عسى أن يغيّر القدر أقدارهم. ولذلك بقوا على نأي من الحضارة وشروطها. إذ من أساسياتها الاستقرار والبحث الدائم عن قنوات القوت وسبل العيْش الكريم والدائم لا المعتمد على الظروف الطبيعية.
كانت هذه ملامح الحياة في مجملها في جزيرة العرب والتي تغلب عليها سمة البداوة. لكن هذا لا يعني أن هناك أصقاع متمدنة كاليمن مثلا.
وينقسم هؤلاء العرب إلى قبائل. والقبيلة هي الوِحدة التى انبنى عليه كل نظامهم الاجتماعي. أما هذه القبائل فهي في نزاع دائم فيما بينها. وقد يحدث أن تتحالف قبيلة مع أخرى لِشن هجوم أو لردّ غارة. وقد تتشارك بعض القبائل نفس الأهداف والرموز فتتّحد تحت اسم أقواها نفرا وخبرة.
لكن التنافس بقي قائما بين هذه القبائل. فكانت الهجمات والحروب تقام بين الفينة والأخرى. وأصل هذا العداء على ما يظهر هو عداء الحضارة والبداوة وهو نزاع طبيعي. ومن أوضح الأمثلة علىه, صراع الأوس والخزرج من أهل المدينة وهم يمنيّون وبين أهل مكة وهم العدنانيون. وقد استمر هذا التنافس بين الحلفين إلى ما بعد الإسلام, كل يدّعي أنه أشرف نسبا وأعزّ نفرا. وكان اليمنيّون أحق بالفخر لما لهم من حضارة قديمة ومُلك راسخ. فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام وهو عدناني وكانت الخلافة في قريش وهم عدنانيون, رجحت كفة بنى عدنان.
من جانب آخر, كثيرا ما شاع عن العرب في الجاهلية أنهم كانوا أمة منعزلة عن العالم لا تتصل بغيرها. وذلك بالنظر إلى جغرافيتها الخاصة. فالصحراء من جانب والبحر من جانب آخر جعلها منقطعة عمن حولها لا تتصل بهم في مادة ولا تقتبس منهم أدبا ولا تهذيبا. وهذه مغالطة, لأن العرب كانوا على اتصال وثيق بمن حولهم ينهلون من العلوم والفنون والصناعات مع كان ممكنا. ساعدتهم في ذلك التجارة وإنشاء المدن المجاورة للشعوب الأخرى كفارس والروم وكذلك البعثات التبشيرية التي كانت تستهدف الجزيرة وسكانها وبغض النظر عن شرعيتها فهي من جهة أخرى ساعدت على الانفتاح على علوم وآداب جديدة.
ورغم بدويّة العرب وتواضع إمكانيّاتهم وبساطة مواردهم في أول الزمان, فإنهم كانوا عزيزي همّة وقيمة, ذووا شرف, محبّون للوفاء وشديدي التعلق بالوعود المقطوعة. ولعلّ هذا ما سهّل تواصلهم وتعاملهم مع غيرهم من الأمم. فمن لا يحب الكريم صاحب الشرف الواصل وعده وعهده؟
وكانت للعرب تجارة ناجحة ووافرة وسوق خارجية ثرية ومتنوعة وكلما نجحت المعاملات التجارية كلما تعززت العلاقات الاجتماعية ومن ثم العلمية والأدبية.
للعرب تاريخ زاخر طويل, راوح بين السلم والحرب,ومازج البداوة والحضارة. وأزاح الستار عن محاولات ناجحة في بناء منظومة علمية وفقهية يشهد العالم بثرائها وعظمتها. وكُتبت فيها كتب كثيرة ليُخلّد ذكرها.